فصل: قال الخازن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الخازن:

قوله تعالى: {ولقد كرمنا بني آدم}
قال ابن عباس: هو أنهم يأكلون بالأيدي وغير الآدمي يأكل بفيه من الأرض وقال أيضًا بالعقل وقيل بالنطق والتمييز والخط والفهم، وقيل باعتدال القامة وامتدادها وقيل بحسن الصورة وقيل: الرجل باللحى والنساء بالذوائب.
وقيل: بتسليطهم على جميع ما في الأرض وتسخيره لهم وقيل: بحسن تدبيرهم أمر المعاش والمعاد.
وقيل بأن منهم خير أمة أخرجت للناس {وحملناهم في البر} أي على الإبل والخيل والحمير {والبحر} أي وحملناهم في البحر على السفن، وهذا من مؤكدات التكريم لأن الله تعالى سخر لهم هذه الأشياء لينتفعوا بها، ويستعينوا بها على مصالحهم {وزرقناهم من الطيبات} يعني لذيذ المطاعم والمشارب وقيل الزبد والتمر والحلواء، وجعل رزق غيرهم مما لا يخفى، وقيل: إن جميع الأغذية إما نباتية وإما حيوانية ولا يتغذى الإنسان إلا بأطيب القسمين بعد الطبخ الكامل والنضج التام ولا يحصل هذا لغير الإنسان {وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلًا} واعلم أن الله تعالى قال في أول الآية: ولقد كرمنا بني آدم وفي آخرها وفضلناهم، ولابد من الفرق بين التكريم والتفضيل والإلزام التكرار والأقرب أن يقال: إن الله تعالى كرم الإنسان على سائر الحيوان بأمور خلقية ذاتية طبيعية، مثل العقل والنطق والخط وحسن الصورة، ثم إنه سبحانه وتعالى عرفه بواسطة ذلك العقل والفهم اكتساب العقائد الصحيحة والأخلاق الفاضلة، فالأول هو التكريم والثاني هو التفضيل.
ثم قال سبحانه وتعالى: على كثير ممن خلقنا تفضيلًا.
ظاهر الآية يدل على أنه فضل بني آدم على كثير ممن خلق لا على الكل فقال: قوم فضلوا على جميع الخلق إلا على الملائكة وهذا مذهب المعتزلة.
وقال الكلبي: فضلوا على الخلائق كلهم إلا على طائفة من الملائكة مثل جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزائيل وأشباههم.
وقيل: فضلوا على جميع الخلائق وعلى الملائكة كلهم.
فإن قلت: كيف تصنع بكثير؟ قلت: يوضع الأكثر موضع الكل كقوله تعالى: {يلقون السمع وأكثرهم كاذبون} أراد كلهم وفي الحديث عن جابر يرفعه قال: «لما خلق الله آدم وذريته قالت الملائكة يا رب خلقتهم يأكلون ويشربون وينكحون فاجعل لهم الدنيا، ولنا الآخرة فقال: لا أجعل من خلقته بيدي ونفخت فيه من روحي كمن قلت له كن فكان» وقيل بالتفضيل وهو الأولى والراجح أن خواص بني آدم وهم الأنبياء أفضل من خواص الملائكة، وعوام الملائكة أفضل من عوام البشر من بني آدم، وهذا التفضيل إنما هو بين الملائكة والمؤمنين من بني آدم لأن الكفار لا حرمة لهم قال الله سبحانه وتعالى: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية} وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: المؤمن أكرم على الله تعالى من الملائكة الذين عنده.
وقوله: {يوم ندعو كل أناس بإمامهم} أي بنبيهم وقيل بكتابهم الذي أنزل عليهم، وقيل بكتاب أعمالهم وعن ابن عباس: إمام زمانهم الذي دعاهم في الدنيا إما إلى هدى وإما إلى ضلالة وذلك أن كل قوم يجتمعون إلى رئيسهم في الخير والشر.
وقيل: بمعبودهم وقيل بإمامهم جمع أم يعني بأمهاتهم والحكمة فيه رعاية حق عيسى عليه السلام وإظهار شرف الحسن والحسين رضي الله تعالى عنهما، وأن لا يفتضح أولاد الزنا {فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرؤون كتابهم} فإن قلت: لم خص أصحاب اليمين بقراءة كتابهم، مع أن أصحاب الشمال يقرؤونه أيضًا.
قلت: الفرق أن أصحاب الشمال إذا طالعوا كتابهم، وجدوه مشتملًا على مشكلات عظيمة فيستولي عليهم الخجل والدهشة فلا يقدرون على إقامة حروفه فتكون قراءتهم كلا قراءة، وأصحاب اليمين إذا طالعوا كتابهم وجدوه مشتملًا على الحسنات والطاعات فيقرؤونه أحسن قراءة وأبينها {ولا يظلمون فتيلًا} أي ولا ينقصون من ثواب أعمالهم أدنى شيء.
{ومن كان في هذه أعمى} المراد عمى القلب والبصيرة لا عمى البصر.
والمعنى: ومن كان في هذه الدنيا أعمى، أي عن هذه النعم التي قد عدها في هذه الآيات {فهو في الآخرة} أي التي لم تعاين ولم تر {أعمى وأضل سبيلًا} قاله ابن عباس: وقيل معناه ومن كان في هذه الدنيا أعمى القلب عن رؤية قدرة الله وآياته ورؤية الحق فهو في الآخرة أعمى أي أشد عمى وأضل سبيلًا، أي أخطأ طريقًا.
وقيل: معناه ومن كان في الدنيا كافرًا ضالًا، فهو في الآخرة أعمى لأنه في الدنيا تقبل توبته، وفي الآخرة لا تقبل تبوته، قوله سبحانه وتعالى: {وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك} قيل في سبب نزولها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستلم الحجر الأسود، فمنعته قريش وقالوا: لا ندعك حتى تلم بآلهتنا وتمسها فحدث نفسه ما علي أن أفعل ذلك، والله يعلم إني لها كاره بعد أن يدعوني أستلم الحجر.
وقيل طلبوا منه أن يذكر آلهتهم حتى يسلموا، ويتبعوه فحدث نفسه فأنزل الله هذه الآية.
وقال ابن عباس: قد وفد ثقيف على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: نبايعك على أن تعطينا ثلاث خصال.
قال: وما هن؟ قالوا: لا نحبي في الصلاة أي لا ننحني ولا نكسر أصنامنا بأيدينا وأن تمتعنا باللات سنة من غير أن نعبدها فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا خير في دين لا ركوع فيه ولا سجود، وأما أن لا تكسروا أصنامكم بأيديكم، فذلك لكم وأما الطاغية يعني اللات والعزى فإني غير ممتعكم بها» قالوا: يا رسول الله إنا نحب أن تسمع العرب أنك أعطيتنا ما لم تعط غيرها فإن خشيت أن تقول العرب أعطيتهم ما لم تعطنا فقل الله أمرني بذلك فسكت النبي صلى الله عليه وسلم فطمع القوم في سكوته أن يعطيهم ذلك فأنزل الله تعالى وإن كادوا أي هموا ليفتنونك أي ليصرفونك عن الذي أوحينا إليك {لتفتري} أي لتختلق وتبتعث {علينا غيره} ما لم تقله {وإذًا} أي لو فعلت ما دعوك إليه {لاتخذوك خليلًا} أي والوك ووافوك وصافوك {ولولا أن ثبتناك} أي على الحق بعصمتنا إياك {لقد كدت تركن} أي تميل {إليهم شيئًا قليلًا} أي قربت من الفعل.
فإن قلت كان النبي صلى الله عليه وسلم معصومًا فكيف يجوز أن يقرب مما طلبوه.
قلت: كان ذلك خاطر قلب ولم يكن عزمًا وقد عفا الله تعالى عن حديث النفس وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول بعد ذلك «اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين» والجواب الصحيح هو أن الله سبحانه وتعالى قال ولولا أن ثبتناك وقد ثبته الله فلم يركن إليهم {إذًا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات} أي لو فعلت لأذقناك عذاب الحياة وضعف عذاب الممات يعني ضعفنا لك العذاب في الدنيا والآخرة {ثم لا تجد لك علينا نصيرًا} أي ناصرًا يمنعك من عذابنا.
قوله سبحانه وتعالى: {وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها} قيل: هذه الآية مدنية وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة كره اليهود مقامه بالمدينة، وذلك حسدًا فأتوه فقالوا: يا أبا القاسم لقد علمت ما هذه بأرض الأنبياء، وإن أرض الأنبياء الشام، وهي الأرض المقدسة وكان بها إبراهيم والأنبياء عليهم السلام، فإن كنت نبيًا مثلهم فأت الشام، وإنما يمنعك من الخروج إليها مخافة الروم، وإن الله سيمنعك من الروم إن كنت رسوله فعسكر النبي صلى الله عليه وسلم على ثلاثة أميال من المدينة وفي رواية إلى ذي الحليفة حتى يجتمع إليه أصحابه، فيخرج فأنزل الله هذه الآية فالأرض هنا أرض المدينة، وقيل الأرض أرض مكة والآية مكية والمعنى: همّ المشركون أن يخرجوه منها فكفهم الله عنه حتى أمره بالخروج للهجرة فخرج بنفسه وهذا أليق بالآية لأن ما قبلها خبر عن أهل مكة والسورة مكية.
وقيل: همّ المشركون كلهم وأرادوا أن يستفزوه من أرض العرب باجتماعهم وتظاهرهم عليه فمنع الله رسوله ولم ينالوا منه ما أملوه والاستفزاز الازعاج {وإذًا لا يلبثون خلافك إلا قليلًا} إي لا يبقون بعد إخراجك إلا زمانًا قليلًا حتى يهلكوا.
قوله سبحانه وتعالى: {سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا} يعني أن كل قوم أخرجوا رسولهم من بين أظهرهم فسنة الله أن يهلكهم وأن لا يعذبهم مادام نبيهم بينهم فإذا خرج من بين أظهرهم عذبهم {ولا تجد لسنتنا تحويلًا} أي تبديلًا.
قوله سبحانه وتعالى: {أقم الصلاة لدلوك الشمس} وروي عن ابن معسود أنه قال الدلوك الغروب وهو قول النخعي ومقاتل والضحاك والسدي.
قال ابن عباس وابن عمر وجابر: هو زوال الشمس.
وهو قول عطاء وقتادة ومجاهد والحسن وأكثر التابعين.
ومعنى اللفظ: يجمعهما، لأن أصل الدلوك الميل والشمس: تميل إذا زالت وإذا غربت والحمل على الزوال أولى القولين: لكثرة القائلين به وإذا حملناه عليه كانت الآية جامعة لمواقيت الصلاة كلها فدلوك الشمس يتناول صلاة الظهر والعصر {إلى غسق الليل} أي ظهور ظلمته وقال ابن عباس: بدو الليل وهذا بتناول المغرب والعشاء {وقرآن الفجر} يعني صلاة الفجر سمى الصلاة قرآنا لأنها لا تجوز إلا بالقرآن {إن قرآن الفجر كان مشهودًا} أي يشهده ملائكة الليل وملائكة النهار.
(خ) عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «تفضل صلاة الجمع صلاة أحدكم وحده بخمس وعشرين جزءًا وتجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر» ثم يقول أبو هريرة: اقرؤوا إن شئتم {إن قرآن الفجر كان مشهودًا}.
قال الإمام فخر الدين الرازي في تفسيره: هذا دليل قاطع قوي على أن التغليس أفضل من التنوير لأن الإنسان، إذا شرع فيها من أول الصبح ففي ذلك الوقت الظلمة باقية فتكون ملائكة الليل حاضرين، ثم إذا امتدت الصلاة بسبب ترتيل القرآن وتكثيرها زالت الظلمة وظهر الضوء، وحضرت ملائكة النهار أما إذا ابتدأ بهذه الصلاة في وقت الإسفار فهناك لم يبق أحد من ملائكة الليل، فلا يحصل المعنى المذكور في الآية فثبت أن قوله تعالى: {إن قرآن الفجر كان مشهودًا} دليل على أن الصلاة في أول وقتها أفضل.
قوله سبحانه وتعالى: {ومن الليل فتهجد به} أي قم بعد نومك، والتهجد لا يكون إلا بعد القيام من النوم. والمراد من الآية قيام الليل للصلاة، وكانت صلاة الليل فريضة على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى الأمة في الابتداء لقوله تعالى: {يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلًا نصفه} ثم نزل التخفيف فصار الوجوب منسوخًا في حق الأمة بالصلوات الخمس، وبقي قيام الليل على الاستحباب بدليل قوله تعالى: {فاقرؤوا ما تيسر منه} وبقي الوجوب ثابتًا في حق النبي صلى الله عليه وسلم بدليل قوله تعالى: {نافلة لك} أي زيادة لك يريد فريضة زائدة على سائر الفرائض التي فرضها الله عليك روي عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاث هن عليّ فريضة وهن سنة لكم الوتر والسواك وقيام الليل» وقيل: إن الوجوب صار منسوخًا في حقه كما في حق الأمة: فصار قيام الليل نافلة لأن الله سبحانه وتعالى قال: نافلة لك ولم يقل عليك.
فإن قلت: ما معنى التخصيص إذا كان زيادة في حق المسلمين كما في حقه صلى الله عليه وسلم ؟ قلت: فائدة التخصيص أن النوافل كفارات لذنوب العباد والنبي صلى الله عليه وسلم، قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فكانت له نافلة وزيادة في رفع الدرجات.
فصل في الأحاديث الواردة في قيام الليل:
(ق) عن المغيرة بن شعبة قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انفتحت قدماه فقيل له أتتكلف هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: «أفلا أكون عبدًا شكورًا».
(م) عن زيد بن خالد الجهني: قال لأرمقن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فتوسدت عتبته أو فسطاطه فقال فصلى ركعتين خفيفتين، ثم صلى ركعتين طويلتين طويلتين طويلتين ثم صلَّى ركعتين دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين دون اللتين قبلهما ثم صلى ركعتين دون اللتين قبلما ثم صلى ركعتين دون اللتين قبلهما ثم أوتر فذلك ثلاث عشرة ركعة لفظ أبي داود.
(ق) عن أبي سلمة عبد الرحمن أنه سأل عائشة كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان؟ قالت: ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على أكثر من أحدى عشر ركعة يصلي أربعًا، فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي أربعًا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي ثلاثًا، قالت عائشة: فقلت يا رسول الله أتنام قبل أن توتر فقال يا عائشة: «إنّ عيني تنامان ولا ينام قلبي».
(ق) عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه سلم يصلي فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء إلى الفجر إحدى عشر ركعة يسلم بين كل ركعتين ويوتر بواحدة، ويسجد سجدتين قدر ما يسجد، ويقرأ أحدكم خمسين آية قبل أن يرفع رأسه فإذا سكت المؤذن من صلاة الفجر، وتبين له الفجر قام فركع ركعتين خفيفتين ثم اضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن للإقامة.
(خ) عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل افتتح صلاته بركعتين خفيفتين عن عوف بن مالك الأشجعي قال: قمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة فقام فقرآ سورة البقرة لا يمر بآية رحمة إلا وقف وسأل ولا يمر بآية عذاب، إلا وقف وتعوذ ثم ركع بقدر قيامه، يقول في ركوعه.
سبحانه ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة، ثم سجد بقدر قيامه ثم قال في سجوده مثل ذلك ثم قام فقرأ بآل عمران ثم قرآ سورة النساء أخرجه أبو داود النسائي.
عن عائشة قالت: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بآية من القرآن ليلة أخرجه الترمذي.